تلك العبارة التي طالما كان يرددها ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ولقيادته ( منظمة التحرير الفلسطينية ) ، فرغم كل التنازلات التي قدمها في اوسلو والبيت الأبيض وفي شرم الشيخ لكنه بقى يردد تلك العبارة الصادقة والحقيقية عن معدن هذا الشعب الأصيل والمكافح والصامد ، وأنا اكتب اليوم كمواطن عراقي تضامنا مع غزة وشعبها الباسل الأبي العظيم ليس من منطلق الشعارات القومية التي ضيعت فلسطين وشعبها ، بل من النظرة الأممية الإنسانية التي أومن بها والتي أدافع عنها بكل ما أملك من إمكانيات..فالشعب الفلسطيني يبقى هو الأقرب مكانا وموقعا من حيث الجغرافيا والروح والتطلعات والثقافة والمصير المشترك لشعوب منطقتنا بكل تنوعها الأممي المعروف ...!
وللشعب الفلسطيني وقياداته بمختلف توجهاتها مواقف أصيلة وتضامنية لا تنسى ففي نهاية السبعينات ابان الحملة الشرسة على الح----الشيوعي العراقي وكل قوى اليسار ، وقفت هذه المنظمات موقف المساند والداعم والحاضن لمئات بل الآلاف من العراقيين سواء في سوريا أو لبنان ، فقدموا الإسناد المادي ومؤهلات السكن والملبس والتدريب والسلاح ، يتذكر ذلك جيدا مئات من الأنصار الشيوعيين الذين تلقوا تدريبا عاليا ومتميزا في معسكرات المنظمات الفلسطينية ...وقد دارت الدنيا ومسالكها ، ليتحول قسم من هذا اليسار الشيوعي إلى ناكر للعرفان والجميل ، والمرامي واضحة حيث المسطرة الأمريكية هي معيار لليسار المتهرئ المنهزم والذي تحول إلى ناصح ويُحمّل حماس المسؤولية الأولى عما يحدث في غزة متناسين الجرائم الإسرائيلية قبل أن تولد حماس بنصف قرن سواء ضد الشعب الفلسطيني أو غيره من شعوب المنطقة، ولنُذكر ببعض المجازر على سبيل المثال
1- مذبحة بلدة الشيخ عام 1947 ( 600 ضحية نساء وأطفال وشيوخ )
2- مذبحة قرية ابو كبير عام 1984 راح ضحيتها العشرات من الفلسطينيين العزل
3- مذبحة قرية ابو شوشة عام 1984
4- مذبحة قرية عليليون عام 1984
5- مذبحة النبعة ودير الأسعد
6- مذبحة قبية عام 1953
7- مذبحة خان يونس 1956
8- مذبحة عيون قارة 1990
9- مجزرة المسجد الأقصى عام 1990
10- مذبحة الحرم الإبراهيمي عام 1994
11- مجزرة قانا
12- مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان
13- مجازر دير ياسين واللد
14- قتل الجنود المصريون الأسرى في سيناء وبالجملة...
هذه عينات من سلسة المجازر التي ارتكبتها هذه الدولة المجبولة على شهوة الدم والإجرام....فالمشكلة ليست في شعب يعيش الاحتلال والاضطهاد والإذلال ، بل يتناسى هؤلاء أن المشكلة هي في مجتمع ونظام ودولة عنصرية – فاشية ، هي اخر دولة تمارس كل هذه الموبقات في العالم ...فقد سقط شبيهها في جنوب أفريقيا وبقيت هي الدولة الفخورة والفاجرة الأولى في ممارسات الفصل العنصري والتنكيل بشعب مسالم له الحق كما سائر شعوب العالم في البقاء والحياة على أرضه ومقدساته...اما الكذبة التي رددها بعض اليساريين عن ديمقراطية إسرائيل فهي رؤية سطحية وغشاشة وكاذبة بشكل فاقع ، فالديمقراطية الإسرائيلية عنصرية ( لشعب الله المختار ) وليس للفلسطيني ، كما انها تضع تقسيمات لليهودية الخالصة ، فيهود أمريكا وبريطانيا في المقام الأول وليس تماما كيهود روسيا وهؤلاء ليس كاليهود الفلاشا فهناك تراتبية عجيبة ومقيتة كتب عنها الكثير من مثقفي إسرائيل وليس من صنع خيالي ..جوهر هذا النظام عنصري قائم على تأثير الطغمة المالية الصهيونية المتنفذة عالميا وخصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية، انها دولة وضعتها الشرعية الدولية الغير عادلة فوق القانون والأعراف والتقاليد التي تربط وتنسق العلاقات بين الشعوب ...!
شخصيا أختلف مع حماس فكريا وسياسيا وكنت أتمنى أن يكون هناك تيار وطني يساري منفتح ومقاوم يقود تلك المعركة الشريفة والمقدسة من اجل الحرية والاستقلال ، فتلك عناوين تربينا عليها ودخلت في عقولنا ووجداننا ولن تستطيع أي قوة في الأرض أن تنتزعها منا ، ولكن كان خيار الشعب الفلسطيني والذي عبر عنه بانتخابات حرة ونزيهة إلا أن يكون مع حماس وهو خيار غير ما نشتهي ونطمح ، ولم يبق لنا إلا واجب أن نحترم إرادة هذا الشعب ...كذلك من العار أن نتشفى بأجساد أطفال غزة نكاية ببعض الفلسطينيين الذين أيدوا صدام يوما فتلك نظرة اختزالية غير رحيمة وغير شريفة أبدا ، فعيون ملايين من الذين يعيشون كابوس هذا الرعب المخيف أقوى من ملفات السياسة وطيشها وتجاذباتها وحساباتها في النظرة إلى التوازنات ومعايير الربح والخسارة وأدميتنا ستبقى فوق كل هذه الاعتبارات الظرفية إذا كنا ننتمي للمفاهيم الإنسانية ..فهذا شعب غارق دوما في آتون الموت والقتل والدمار والعنف يتشبث أحيانا بقشة ( العروبة الميتة ) عسى أن يُنقذ من مشروع الإبادة والإنهاء ...يتهيأ لي ان هذا الشعب قد يكون الوحيد في العالم بلا طبقات واضحة، شعب بأجمعه يعيش الغبن والحرمان بشكل يفوق التصور والخيال..شعب مشرد واعزل ومحاصر من أنظمة عربية فاشلة ومن كيان محتل وغاصب ومن صمت مريب للعالم...!
عندما أتأمل تجربتي السياسية مع القيادات اليسارية ومقارنتها مع قيادات حماس أشعر بالخجل والعار ، فهؤلاء قادة شجعان حقا يتقدمون الصفوف ويقدمون دائما الصف الأول قرابين على مذبح الحرية وبذلك يعطون إلهام حقيقي لشعبهم بأنهم أول من يضحي واخر من يستفيد ....في كوردستان كان الحزب اليساري يرسل فقراء الحزب إلى الموت اما القيادة فمع أول صوت رصاصة أو موقف صعب نراهم وقد اخذ منهم( التعب المريح ) في مصحات وفنادق الدول الاشتراكية هم وعوائلهم وعشائرهم ، لهذا بقوا أحياء حتى اليوم لكي يكتبوا لنا الخرافات والنصائح ، ورغم أن أرجلهم على حافة القبر لكنهم لازالوا يفلسفون ويقدمون النصائح العتيقة لشعب العراق المسكين ولشعب فلسطين بل ان خيالهم الفاقع وحب العظمة جعلت من كتاباتهم الاسهالية ومن أنوفهم أن تندس في الشاردة والواردة ، حلمهم الأزلي أن يكونوا في الواجهة على حساب قضايا مصيرية للأمم والشعوب متناسين أن الزمن والتاريخ مشى فوقهم وفوق أفكارهم وهلعهم من أن يكونوا قادة تحترمهم شعوبهم وبهذا ضاع المثال وتلك الخرافة عن ( هيئة أركان الطبقة العاملة ) ، ثلاث عقود معهم لم أرى أحدا يتقدم إمام القاعدة ، لم يصب احد حتى في انفلاونزا حادة ، كل شيء كان معد لراحتهم ولحياتهم الهانئة المطمئنة ...مرة في شدة أيام الأنفال رأيت زعيم الح----وعلى كتفه بندقية ، ضحكت وقلت لرفاق كانوا معي :يبدو أن الدنيا تغيرت هذه المرة رغم انني لم أكن ساذجا ، بعد ساعات عرفت باليقين القاطع ان الأخ غادر إلى إيران هاربا ، وعندما سألت احدهم ، لكن وين ( الهوبزة ) ( والتفگه ) المتدلية قبل ساعات، أجابني بنية الكادر المُحنط والمُلقن، رفيق الحفاظ على القيادة أهم من كل شيء ....، نعم الشكل القيادي لحماس مثير للإعجاب والتأمل لأي حركة وطنية تريد أن تكتب مستقبلا ومصداقية وماعدا ذلك مجر شعارات عفا عليها الزمن..
أقول انني انتمي لشعب الجبارين ، شعب أصدقائي ، المناضلة مريم أبو دقة ، وقادة الجبهة الشعبية أبو الرائد ، وحسين ، وفاطمة من الجبهة الديمقراطية ، وفادي ، والزملاء من دورتي في المدرسة الحزبية في بلغاريا من كوادر فتح والديمقراطية والشعبية ، والذين عشت معهم أيام جميلة لا تنسى ..إلى العوائل التي ساعدتنا بعد خروجنا من كوردستان في مخيم اليرموك وفلسطين ، من العم ( أبو اياد ) بائع الحليب إلى كافة قيادات وكوادر المنظمات الفلسطينية الذي قدموا لنا كل الدعم المعنوي والطبي والمادي أحيانا .فهم شعب كريم ومضياف حقا...ذلك الشعب الذي اختلط معه الدم العراقي كعناوين للنضال المشترك ، فكيف ننسى عشرات من العراقيين الذين استشهدوا على ارض في فلسطين وعلى تخوم المخيمات الفلسطينية في صيدا وصور وصبرا وفي الجنوب اللبناني ومنهم أبطال مأثرة حي السلم عام 1982 دفاعا عن بيروت البطلة...!
هذا شعب محمود درويش ، وسميح القاسم ، وأميل حبيبي ، وجورج حبش ، والبرغوثي ،وصديقنا الكبير المرحوم ماجد أبو شرار الذي علمونا الشعر والثقافة ومعنى أن تقاوم ..الشعب الذي علم أبنائي وتلك فضيلة أيضا كيف لهم أن يتظاهروا وينتصروا للحق مع بحر أممي متنوع من البشر وسط مدينة ستوكهولم ، فقط ذلك يعطيهم فهم لثقافتهم وانتمائهم وقربهم من حرارة وسخونة قضية عظيمة وعادلة مثل قضية الشعب الفلسطيني...
لا يمكن لأي منصف أن يتنكر لذلك ويختزل الجريمة التي ترتكب ضد غزة وشعبها بموقف سياسي مع حماس ، فالمعركة من طرف واحد ، متمثلة بإسرائيل وجيشها الذي يوصف بالجيش الذي لا يقهر وترسانتها العسكرية بطائراتها وببوارجها الحربية ومدافعها ودباباتها ، أمام أجساد تحتمي بحيطان غزة الشماء لكنها مليئة بالعزم وبقلوب عامرة بالأيمان بان النصر والحرية قادمة ...
نعم القضية أكبر من ذلك بكثير ، انها صرخة بوجه ظلم هذا العالم ، لكن هذه المرة أخذت الشعوب تنتصر للحق وقد أحدثت التضحيات الفلسطينية الغالية مكسبا هاما جدير بالمحافظة عليه وتعزيزه هو تعاطف شعوب الأرض قاطبة وبشكل غير مسبوق مع الحق والعدل ، فمن العار المساواة بين الجلاد والضحية ...!
لننتصر للشعب الفلسطيني بكل الوسائل والأشكال الممكنة ...!
شكرا لهذا الشعب المعطاء الذي علمنا وأعطانا الكثير ...!
تحية لغزة الباسلة الصادمة أبدا..!